| 0 التعليقات ]

"بوسطجية" الإعلام المصري...الكاتبة الكويتية( سعدية مفرح)


"بوسطجية" الإعلام المصري













سعدية مفرح











شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.








لم أكن ممن عاصروا فترة أحمد سعيد في الإعلام العربي، لكنني سمعت باسم المذيع المصري الشهير لاحقاً، وقرأت عنه مرات كثيرة، مقروناً بهزيمة العرب التي سموها النكسة عام 1967، باعتباره، وفق ما قرأت وسمعت أحد أسبابها، أو على الأقل أحد أسباب ترسّب مرارتها في النفوس العربية سنوات طويلة.

كان الرجل الذي عاصره كثيرون وقلدوه، باعتباره يمثل مدرسة إعلامية سائدة آنذاك، يسقط طائرات العدو الإسرائيلي بالعشرات، كلما أمسك بميكرفون الإذاعة، وكان المستمعون مقتنعين بأفاعيل طائرات الجيش المصري في سماء تل أبيب، كما كان يصفها أحمد سعيد، على الرغم من أن تلك الطائرات كانت قد قُصفت ودُمرت، وأنهى أمرها الطيران الصهيوني، وهي في مدارجها وقبل إقلاعها حتى انتهت الحرب، خلال أيام، ليكتشف العرب، في كل مكان، أن أحمد سعيد، بكل بساطة، كان يكذب. وعندما دافع عن نفسه، لاحقاً، قال إنه لم يكن يكذب، بل كان يذيع البيانات التي تصل إليه من قيادة الجيش يومها حرفياً، أي أنه كان مجرد موزع بريد "بوسطجي"، يذيع الكذب ويجمله في آذان المستمعين.

هل الإعلامي "بوسطجي" فعلاً؟ يمارس إعلاميون كثيرون هذا الدور، إما جهلاً بدورهم الحقيقي، باحثين عن الحقيقة وتقديمها للناس، أو تجاهلاً له في سبيل خدمة الجهات التي يوصلون رسائلها "السرية" إلى الهدف، عبر وسائلهم الإعلامية، من صحافة وإذاعة وتلفزيون وغيرها. وإذا كانت الهزيمة النكراء التي أحاقت بالعرب في 1967 قد فضحت "البوسطجي"، أحمد سعيد، وتلاميذ مدرسته العاملين معه في كل العواصم العربية يومها، وكشفت كذبهم، وحاسبتهم على ذلك بأشكال مختلفة، أقلها التجاهل والتكذيب، لكل ما يقولونه ويذيعونه لاحقاً، حتى لو كان حقيقة، فإن أبناءه وأحفاده الذين ورثوا مهنته، بمواصفاتها الخاصة، لم يتعلموا من الدرس. وبدلاً من ذلك، طوروا تلك المواصفات، مستفيدين من الإمكانات التقنية الهائلة التي حظي بها الإعلام، في السنوات الأخيرة، فأصبحوا "بوسطجية" من نوع فاخر، فلا يكتفون بإيصال الرسائل التي تكلفهم بنقلها إلى الجماهير جهات أخرى، أولها السلطة، بل أصبحوا يجتهدون في إضافة بهارات خاصة عليها، تجعلها طيبة المذاق، حتى لو كانت سماً زعافاً.

لا أقصد بكلامي هذا كل الإعلاميين العرب، ولا كل الوسائل الإعلامية، ولا بلداً عربياً دون آخر، فالمرض مستشر في كل مكان، لكنني أحصر زاوية رؤيتي، الآن، في المشهد المصري، باعتباره المشهد الأكثر تنوعاً، والأبرز عربياً، وباعتباره الأشهر أيضاً، الآن، في تقلباته واستشراء ظاهرة الإعلاميين البوسطجية فيه.

ومع أنني سبق وأن كتبت عن ذلك المشهد الذي لا يليق بمصر، باعتبارها أم الدنيا وعاصمة التاريخ وقلب العرب، إلا أنني لم أستطع تجاوز الأمر، في كل مرة أقف فيها عاجزة عن تفسير ذلك المستوى الرديء الذي وصل إليه الإعلام المصري، باعتباره نموذجاً للإعلام العربي، خصوصاً أن المظلة الإعلامية المصرية واسعة، ما يجعلنا مطمئنين، ونحن نتابع معطياتها المتعددة على صعيد الصحافة والتلفزيون، بالإضافة إلى معطيات وسائل الإعلام الجديد في "تويتر" و"فيسبوك".

وإذا كنا، في السابق، نتحدث عن "أخطاء" في الاعلام العربي عموماً، والمصري خصوصاً، فإن هذه الأخطاء تحوّلت، في السنوات الأخيرة، إلى خطايا، ومع كل تقدم يسجل، على الصعيد التقني، نرصد تأخراً يسجل على الصعيدين، الأخلاقي والمهني. فكلما كثرت الوسائل الحديثة في الإنتاج الإعلامي، قلّت المبادئ الراسخة، ولعل سهرة واحدة أمام التلفزيون، بصحبة جهاز التحكم عن بعد، والتنقل بين قنوات مصرية كثيرة مختلفة، لمتابعة برامجها السياسية التي يقدمها هؤلاء البوسطجية الذين لا يجيدون شيئاً في الإعلام، قدر إجادتهم الكذب والشتم والتلفيق والتملق والخداع والتشويه والادعاء والتظرف والتطرف، تجعلنا مطمئنين إلى حكمنا أن الإعلام المصري يغرق ويغرق ويغرق، من دون أي قدرة على التنفس تحت الماء.


















http://ift.tt/1y7D5qz











"بوسطجية" الإعلام المصري...الكاتبة الكويتية( سعدية مفرح)

موقع بوابة الثانوية العامة متخصص فى التعليم المصرى و كافة المراحل التعليمية الإبتدائية , الإعدادية و الثانوية كذلك الجامعات المصرية و نتائج الامتحانات للشهادات بمحافظات مصر

موقع وظائف جوجل وظائف جوجل,

0 التعليقات

إرسال تعليق