| 0 التعليقات ]

الاسرة الممتدة فى الريف ساعدنى فى التعديل

مقدمة (تعريف بالدراسة):

تُعدّ الأسرة أهم الجماعات الإنسانية، وأعظمها تأثيراً في حياة الفرد والجماعات، لذا فقد نالت اهتمام أغلب الباحثين، خاصة دراسة تطور أشكالها أو تقلصها البنائي والوظيفي، حيث اعتقد البعض أنها تتقلص من أشكالها الكبيرة الممتدة إلى أشكال أصغر فأصغر باستمرار حتى تصل إلى الأسرة النووية، والتي تمثل ذروة التطور. وبموجب ذلك تنحسر الأسرة الممتدة في المجتمع الحديث. ولكن هذا الاعتقاد لا يصمد أمام الشواهد التي تخالف ذلك، فما زالت توجد بعض أشكال الأسرة الممتدة في المجتمعات الحضرية والريفية على حد سواء ومن ثم جاءت أهمية هذه الدراسة التي تقوم على دراسة بعض أشكال الأسرة الممتدة في الحضر، وذلك بهدف إلقاء الضوء على بعض القضايا النظرية في دراسة الأسرة الممتدة، وكذلك التعرف على مدى انتشار الظاهرة، والكشف عن عوامل النشأة ودراسة الوظائف التي تضطلع بها. كما تسعى الدراسة إلى الكشف عن محددات ومصاحبات هذا النمط من حيث تنظيمه الداخلي ( بناء قوة- إنفاق- تقسيم العمل). وكذلك فهم دينامية العلاقات بين أفرادها من الأجيال المختلفة سواء كانت علاقات إيجابية أو سلبية. وأخيراً تسعى الدراسة -في ضوء ما سبق- إلى محاولة الكشف عن مدى استمرارية الأسرة الممتدة في المستقبل.

وتكمن الأهمية النظرية للبحث في انطلاقه من تحليل المادة الميدانية في ضوء بعض القضايا التي كانت موضع اهتمام الاتجاه التطوري والبنائي الوظيفي، فيما يتعلق بدراسة الأسرة الممتدة، باعتبارهما من أكثر النظريات التي اهتمت بدراسة الأسرة. ولا يعني الإنطلاق من هاتين النظريتين أنّ الدراسة قد سلمت بداهة بصدقها الإمبيريقي. لقد حاولت الدراسة أن تقدم شواهد من المجتمع المصري يمكن في ضوئها نقد هاتين النظريتين وتعديل بعض المسلمات النظرية التي تنطلق منها.

وتكمن الأهمية التطبيقية في كونها خطوة على طريق فهم واقع الأسرة الممتدة ـمجال الدراسة- بصفة خاصة، والأسرة الممتدة الحضرية بصفة عامة، حيث يمكن أن تنسحب بعض النتائج إلى أسر ممتدة مشابهة لها في المجتمع. كما يسهم البحث في فهم الظروف والعوامل الخاصة بالمجتمع والتي تؤدي إلى نشأة هذا النمط دون سواه من الأنماط الأخرى، خاصة مشكلة الإسكان التي تفاقمت بصورة واضحة في الآونة الأخيرة والتي أدت إلى تكدّس الأسر في مسكن واحد، وخاصة مشاركة الأسر النووية المتكونة الجديدة في مسكن والدي أحد طرفيها مما يترتب عليه ظهور الأسرة الممتدة. وفضلاً عن مشكلة الإسكان توجد متغيرات أخرى خاصة بواقع المجتمع المصري سوف توضحها الدراسة الميدانية.

وقد تمت معالجة الموضوع بتقسيمه إلى أحد عشر فصلاً مقسّمة على النحو التالي:

يتناول الفصل الأول: مشكلة البحث من حيث إسهامات بعض علماء الاتجاه التطوري والبنائي الوظيفي في دراسة الأسرة الممتدة، وكيف وجهت العديد من الإنتقادات لهذين الإتجاهين. ثم يتناول الفصل تغير الأسرة الحضرية: مشكلة البحث، وينتهي بعرض تساؤلات البحث.

أما الفصل الثاني: فيعرض للإجراءت المنهجية بدءاً بالمفاهيم التي سوف يرد استخدامها في الدراسة، وأسس اختيار مجتمع الدراسة، وأسس اختيار العينة، ومصادر البيانات، ومدة الدراسة الميدانية، وأخيراً أساليب التحليل والتفسير.

ويدور الفصل الثالث: حول وصف الحالات من حيث التقسيم الطبقي، والإنتماء الطبقي للحالات والموطن الأصلي، وحجم الأسرة، والسن، والمستوى التعليمي والمستوى المهني، والدخل، والحالة السكنية، وأخيراً وصف الأفراد.

ويعرض الفصل الرابع: لوصف المجتمع المحلي من حيث الخلفية التاريخية، والنطاق الإيكولوجي، والخدمات التي يقدمها الحي وخصائص السكان وأخيراً تعريفاً بحي عرب المحمدي.

ويتناول الفصل الخامس: عرضاً نقدياً لبعض الدراسات السابقة التي أُجريت حول موضوع البحث، سواء كانت دراسات على المستوى العالمي أو المحلي.

أما الفصل السادس: فيتناول الأسرة الممتدة من حيث الانتشار، وعوامل النشأة وأخيراً الوظائف.

أما الفصل السابع: فيعرض للتنظيم الداخلي للأسرة الممتدة من حيث بناء القوّة، والإنفاق وتقسيم العمل.

ويُقدّم الفصل الثامن: العلاقات الداخلية والخارجية للأسرة الممتدّة من حيث طبيعة العلاقات وكثافتها، ومضمون العلاقات من حيث علاقة الاحترام والتجنب أو التحاشي وأخيراً العلاقة مع الأسرة الموجهة.

ويتناول الفصل التاسع: الصراع ودينامية العلاقة داخل الأسرة الممتدة وذلك من حيث موضوعاته وعوامله وأسسه ومظاهره وأخيراً أساليب حلّ النزاع.

ويدور الفصل العاشر: حول نظرة مستقبلية عن الأسرة الممتدة، ويتعرض لمشكلة الإسكان من حيث حجمها وأسبابها، والمظاهر المصاحبة لها.

وأخيراً يتناول الفصل الحادي عشر: مناقشة نتائج الدراسة.







أولاً مشكلة البحث:

تبلورت مشكلة البحث من خلال تفاعل جدلي بين مستويين، الأول نظري والثاني إمبيريقي. وبالنسبة للمستوى الأول يتعلق بالنظريات التي ناقشت قضايا تتصل بالأسرة وتغيرها من حيث البناء والوظيفة. وهنا تمّ الاستعانة بالاتجاه التطوري والاتجاه البنائي الوظيفي، حيث يؤكد الأول على أنّ الأسرة تتطور من أشكالها الكبيرة الممتدة إلى أشكال أصغر فأصغر باستمرار حتى تصل إلى الأسرة النووية التي تمثل ذروة التطور. ويؤكد الإتجاه الثاني أيضاً على التقلص البنائي للأسرة وتحوله من ممتد إلى نووي، إلى جانب وظائف الأسرة.

وبالرغم من الإستعانة بهذين الإتجاهين إلا أنّ الدراسة لا تأخذ بالقضايا التي توصلا إليها، وتطبقها ميكانيكياً على الواقع المصري. وذلك لأن هذه القضايا ظهرت في ظروف مغايرة، كما أنها تتعرض لكثير من الإنتقادات سواء في المجتمعات التي نشأت فيها، أو في مجتمعنا العربي. ومن ثم ليس من المنطقي أن نسلم بها ونُطبّقها على مجتمعنا الذي له خصوصية يتميز بها، ولكن تمّ الإستعانة بها من أجل بلورة قضايا تخضع للإختيار الإمبيريقي.

وهذا هو المستوى الثاني الذي يتصل بواقع المجتمع المصري وما يشهده من تغيرات قد تتفق أو تختلف مع التحليلات النظرية. فبمراجعة هذه القضايا مع الواقع توافرت شواهد أولية مأخوذة من المجتمع المصري تؤكد على أن التحضّر الذي يحدث في مصر الآن، لا يصاحبه بالضرورة تبدّل نمط الأسرة بحيث يتحول من ممتد إلى نووي.

كما أكدت الشواهد على وجود وظائف للأسرة. فشكل الأسرة -نووياً كان أو ممتداً- يُمثل انعكاساً لمؤثرات ومتطلبات اقتصادية وثقافية بالمجتمع الكبير. كما أفرزت هذه الظروف شكلاً جديداً من الأسرة الممتدة في الحضر. وأن هذا الشكل يفرض وظائف وعلاقات جديدة وأشكالاً جديدة من الصراع، ومن ثم فإن هذه الدراسة تسعى إلى الكشف عن مدى وجود وانتشار هذا الشكل المتميز من الأسرة الممتدة في الحضر، كذلك معرفة النشأة وشكل التنظيم الداخلي والدينامية الداخلية لها، محاولين أن نربط بين هذه العناصر والظروف المتميزة للتحضر داخل المدينة المصرية.

وفي ضوء ما سبق تسعى الدراسة إلى تقديم إجابة على سؤال محوري هو: إلى أي مدى تتشكل بنية الأسرة الممتدة في الحضر، ووظائفها، ودينامياتها الداخلية، في ضوء الظروف البنائية العامة للمدينة المصرية، وفي ضوء التغير الاجتماعي الذي يشهده المجتمع المصري. ويمكن في ضوء هذه الصياغة العامة أن نشتق بعض التساؤلات التي تسعى الدراسة إلى الكشف عنها:

1- إلى أي مدى تنتشر الأسرة الممتدة في الحضر؟ وفي أي الطبقات؟ وما هي أكثر أشكالها انتشاراً؟

2- ما هي العوامل التي تؤدي إلى نشأتها؟ بمعنى: هل تساعد العوامل الاقتصادية مثل وجود مشكلة الإسكان -تجانس المهنة- المساعدة في المعيشة، على نشأة الأسرة الممتدة.

3- إذا كان الشكل الجديد للأسرة الممتدة ينتشر ويزداد وجوده، فما هي الوظائف التي تضطلع بها؟ بمعنى: (أ) هل تؤدي الأسرة الممتدة وظائف اقتصادية؟ (ب) هل تؤدي الأسرة الممتدة وظائف اجتماعية وثقافية؟

4- ما هي طبيعة البناء الداخلي للأسرة الممتدة؟ وذلك من حيث:

(أ‌) ما هي أشكال التنظيم الداخلي للأسرة الممتدة؟ بمعنى: هل توجد قوة صارمة، ما هي علاقة القوة باتخاذ القرار؟

ما هي سياسة الإنفاق وأنماطها داخل الأسرة الممتدة؟

ما هي الأنشطة التي تؤدى داخل الأسرة الممتدة؟ وما هي أسس تقسيم العمل؟

(ب‌) ما هي طبيعة العلاقات داخل الأسرة الممتدة؟ وما هو مضمون هذه العلاقات؟ بمعنى: هل توجد مصطلحات نداء وعلاقة احترام ومشورة ومزاج وتجنب وصراع بين أفراد الأسرة الممتدة؟ وما هي مؤشرات الامتداد القرابي بين الزوجين وأسرهما الموجهة؟

ثانياً: الإجراءات المنهجية:

يُعدّ المنهج سلسلة من الحلقات المترابطة ترابطاً منطقياً، بحيث تؤدي كل حلقة إلى الحلقة التالية، بدءاً من التصور النظري وحتى تفسير النتائج مروراً بالإجراءات المنهجية. ونعرض فيما يلي للخطوات التي إستخدمت في هذه الدراسة بدءاً بالتعريف الإجرائي وانتهاء بالتحليل والتفسير.

1ـ التعريف الإجرائي للأسرة الممتدة:

يقصد بالأسرة الممتدة في هذا البحث: جماعة قرابية تتكون من ثلاثة أجيال، جيل الآباء والأبناء والأحفاد، ويعيشون معاً في شقة واحدة.

2ـ المجال الجغرافي:

روعي في اختيار مجتمع البحث أن يتسم بالعراقة والقِدم نسبياً، خاصة من الناحية العمرانية، وذلك لأن المناطق الجديدة أو المستحدثة تستقطب في الغالب أسراً نووية. كما روعي وجود تنوع طبقي داخله، حيث يضم الطبقات الثلاث: عليا، وسطى، دنيا.

ومن خلال الزيارات التي أجرتها الباحثة على عديد من المناطق مثل: شبرا الخيمة، مصر الجديدة، المطرية، العباسية، الدقي، وقع الاختيار على حي العباسية لتوافر الأسس السابقة فيه.

3ـ المجال البشري:

وحيث إن المجال البشري للدراسة هو الأسرة الممتدة، فقد تم اختيار عشرين حالة أجريت عليها دراسة متعمقة. وعن كيفية اختيار هذه الحالات فقد أجرت الباحثة مسحاً على بعض المدارس في حي العباسية، في شياختي السرايات وبين الجناين. حيث تمثل الأولى الطرف الشمالي الشرقي للحي، والثانية الطرف الجنوبي الغربي. وكان الهدف من ذلك الحصول على تنوع جغرافي للحالات في أكثر من شياخة. وقد سُئل التلاميذ في كل فصل من فصول هذه المدارس، عن معيشتهم في أسرة ممتدة. وقد تم اختيار العشرين حالة وفقاً للشروط التالية:

أـ أن تشتمل على المستويات الطبقية الثلاث: عليا، وسطى، دنيا، وذلك لمعرفة مدى انتشار الظاهرة بين الطبقات، ومعرفة عوامل النشأة وطبيعة البناء... إلخ باختلاف الطبقات. وفي هذا الصدد قامت الباحثة بتصميم مقياس طبقي لتصنيف الحالات، اعتمد على جانبين: جانب كمّي وآخر كيفي. حيث لم تعد المحكات الكمية وحدها كافية لتصنيف الطبقة، بسبب التغيرات التي طرأت على المجتمع، خاصة التغيرات الاقتصادية، خصوصاً في فترة الانفتاح، والتي أدت إلى ارتفاع الدخول وبالتالي إلى حدوث حراك مهني واجتماعي بين بعض الفئات مثل الحرفيين. ولا يعني ارتفاع الدخول في هذه الفئة حراكهم من طبقة إلى أخرى بناء على محك الدخل، لأننا قد نجدها من الناحية الثقافية ما زالت تنتمي إلى نفس الطبقة. لذا جاء تأكيد المقياس على أهمية المحكات الكيفية (الثقافية) إلى جانب الكمية.

وقد تم تقسيم المقياس الكمي والكيفي إلى أربعة محكات داخل كل منها وهي كما يلي:

المقياس الكمي: التعليم- المهنة- الدخل- الملكية.

المقياس الكيفي: وصف المنزل- طريقة التحدث- الأزياء- طريقة تناول الطعام.

وقد تمّ تقسيم كل محك من المحكات الثمانية إلى ثلاث مجموعات تأخذ كل منها درجة، وبذلك نحصل على 24 درجة. وأخيراً تم تقسيم جميع الدرجات (24) إلى ثلاث، بحيث نحصل على24 درجة. وأخيراًتم تقسيم جميع الدرجات (24) إلى ثلاث، بحيث نحصل على ثلاث فئات تمثل الثلاث طبقات (*) وهي 8 ـ 13 الطبقة الدنيا، 14 ـ 19 الطبقى الوسطى، 20 ـ 24 الطبقة العليا.

ب- أن تتنوع أشكال الأسرة الممتدة من حيث، الشكل الأبوي، والأمومي، الثنائي. وذلك لمعرفة عوامل النشأة وطبيعة البناء باختلاف أشكال الأسرة الممتدة.

ج- أن تتنوع في عمر تكوينها من حيث حداثة التكوين أو قدمه، ولذلك للكشف عن التغيرات التي طرأت على البناء وطبيعته.

د- من منطلق الاهتمام ببعد عمالة الزوجة روعي في الاختيار تنوع الحالات ما بين زوجات ربات بيوت وعاملات.

4 ـ مصادر جمع البيانات:

لما كانت الدراسة تهدف إلى فهم واقع الأسرة الممتدة في الحضر، فكان لازماً أن تتعدد مصادر البيانات التي يتم من خلالها جمع المادة وتحليلها وفقاً لذلك. وهذه المصادر هي:

أ ـ البيانات الإحصائية: تمت الاستعانة بالبيانات الإحصائية للوصول إلى مزيد من فهم واقع الظاهرة. وقد تمّ الاعتماد على مصدرين: الإحصاءات الرسمية وهي الصادرة من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. والإحصاءات التي قامت بها الباحثة من خلال: حساب النسب المئوية، والمتوسط الحسابي لمعرفة حجم الأسرة، الدخل، معدل التزاحم...إلخ.

وبالإضافة إلى ما سبق، قامت الباحثة بقياس كثافة العلاقات داخل الأسرة الممتدة، فضلاً عن الاستعانة بشبكة العلاقات السوسيومترية وبعض الرسوم البيانية على شكل منحنيات وأعمدة.

ب ـ بيانات كمية ومسحية: لما كانت الدراسة تهدف إلى معرفة مدى انتشار الأسرة الممتدة في الحضر، فقد تم إجراء دراسة مسحية على بعض المدارس في بعض الأقسام وهي مصر الجديدة، قصر النيل، المطرية، الوايلي بمحافظة القاهرة، سواء أكانت وفقاً للتعريف الإجرائي أو كانت أحادية الجيل الأول أو ممتدة معدلة في نفس المنزل. وكان الهدف من المسح أيضاً الحصول على بيانات أحدث من بيانات تعداد 1976.

ج ـ البيانات الكيفية: من المعروف أن البيانات الإحصائية المسحية لا تقدم سوى صورة سطحية عن الظاهرة، من حيث إنها تُركّز على النطاق دون العمق. لذا كان من الضروري أن تكتمل بالبيانات والأدوات الكيفية مع التركيز على عدد محدود من الحالات. ولذلك فقد عوّلت هذه الدراسة كثيراً على البيانات الكيفية التي جمعت من خلال الملاحظة والمقابلة المتعمقة.

5 ـ أساليب جمع البيانات:

وفقاً لتنوع مصادر المادة اقتضت الدراسة الاستعانة بعدة وسائل لجمع البيانات وهي:

أ ـ الملاحظة: حيث تمت ملاحظة الجوانب الإيكولوجية للحي وتقسيمه الداخلي من حيث تقسيم شوارعه وشكل المساكن به، وخصائص سكانه. كما تمت ملاحظة بعض السلوكيات التي تعكس أنماط التفاعل الاجتماعي وفقاً لمساحة المسكن وعدد حجراته. كما تمت ملاحظة كل كبيرة وصغيرة داخل الوحدة السكنية للحالات، حيث اهتمت الباحثة بملاحظة الحياة اليومية من حيث سلوكيات الأفراد ومعاملاتهم وتعبيراتهم وتعليقاتهم على بعضهم البعض.

فالملاحظة أفادت في فهم ديناميات التفاعل والتعرف على طرق أداء الدور وتوقعاته المرتبطة به، كما شاركت الباحثة في الأنشطة مع الأسرة وذلك لملاحظة سلوكياتهم مثل الذهاب مع الزوجة الى السوق لشراء الخرضوات، أو في أداء أيّ نشاط داخل المنزل، كما شاركت في اللعب مع الأحفاد. هذا فضلاً عن المشاركة في شتى المناسبات مثل الأعياد والمرض. وقد خلقت هذه الطريقة علاقة صداقة مع أفراد الأسرة الممتدة، كما أتاحت فرصاً للمشاركة أثرت البحث وحققت مزيداً من البيانات المتعمقة.

ب- المقابلة: تم الاستعانة بالمقابلة، كوسيلة لجمع البيانات مع مختلف الفئات العمرية والنوعية ومع إخباريين من خارج الأسرة من العاملين في قسم الوايلي وحي الوايلي وبعض سكان الحي وبعض الأسر القاطنين خارج الحي.

كما كانت المقابلة تتم فردية وجماعية. وكان على الباحثة التكتم الشديد لكل ما يقال لها في سبيل مزيد من الثقة من جانب المبحوثين، ومراعاة لأخلاقيات البحث الاجتماعي. وكانت البيانات تدون في بعض الأحيان فوراً، وأحياناً بعد انتهاء المقابلة مباشرة (إما في حوش البيت أو في الشارع) حتى تدون الأحاديث بألفاظ الأفراد. ويتم تدوين كل شيء تدويناً حياً بشكل وصفي من حيث وصف مكان المقابلة وجوهاً وحركة الأفراد داخل المسكن.

أما عن مكان المقابلة فقد كان يجري في أماكن مختلفة داخل المسكن أو خارجه (على بسطة السلم- الحوش- السطح) وفقاً لأماكن الجلوس المفضلة لكل طبقة.

وعن إيقاع العمل فقد كانت الزيارات تجري في أوقات مختلفة على مدار العام. وكانت الزيارات تتم وفقاً لجدول زمني وضعته الباحثة بحيث يغطي العشرين حالة.

ولم تتم المقابلة بشكل عشوائي إنما اعتمدت على دليل لجمع المادة، حيث قامت الباحثة بتصميم دليل للعمل الميداني، كموجة لعملية الملاحظة والمقابلة. وقد استقى الدليل بنوده من خلال الدراسات السابقة والقراءات النظرية ومن واقع الدراسة الكشفية. ولم يكن دليل ملزم بنصه، إذ أنه على طول مراحل البحث كانت هناك بنود تُضاف وأخرى تُستبعد. وقد اشتمل الدليل على تسعة أقسام تضم ثمانية عشر بنداً، ويضم كل بند داخله مجموعة أسئلة، ويصبح جمالي الأسئلة 69 سؤالاً مفتوحاً.

ج- دراسة الحالة: أسهمت دراسة الحالة في فهم وتحليل بناء الأسرة الممتدة، وفهم دينامياتها الداخلية، كما اهتمت بدراسة المواقف الفردية والكلية الشمولية التي تسهم في فهم الحياة في نطاق الأسرة الممتدة. كما يمكن الوصول إلى تعميمات للنتائج التي توصلت إليها الدراسة على حالات أخرى مشابهة لها في المجتمع.

وقد اقتضى هذا المنهج الاهتمام بالبعد التاريخي أي الزمني للأحداث التي طرأت على الأسرة، مثل الأنماط الأسرية التي مرت بها في دائرة حياتها، وكذلك تتبّع الأحداث الهامة، مثل تغير نمط الإنفاق، انتقال القوة، تغير طبيعة العلاقات...إلخ.

د- التصوير الفوتوغرافي: استعانت الباحثة بالتصوير الفوتوغرافي لبيان بعض الجوانب الإيكولوجية الخاصة بالحي والمسكن. وقد تمت عملية التصوير في المرحلة النهائية من البحث حتى لا يثير استخدام الكاميرا بعض الشكوك والمخاوف.

6ـ مدة الدراسة الميدانية:

بدأت منذ أوائل أكتوبر 1981 إلى نهاية ديسمبر 1983. وقد استمرت الباحثة في المتابعة حتى كتابة التقرير النهائي، وذلك للتحقق من بعض النقاط أو الاستزادة من بعضها، وكذلك متابعة التغيرات التي طرأت على حياة الأسرة.

7 ـ أساليب التحليل والتفسير:

تم الاستعانة بعدة أساليب هي:

أـ الأسلوب الكمي والكيفي: جمعت الدراسة بين أسلوبي التحليل الكمي والكيفي، وفقاً لمقتضيات عرض المادة والتحقق من الفروض. ولما كانت البيانات التي جمعت متنوعة ومستفيضة، فقد كان على الباحثة أن تحدد مستويات لتحليل المادة هي: الأنماط: (أبوي وأمومي)ـ الطبقة: (عليا- وسطى- دنيا)ـ الجيل: (الأول- الثاني- الثالث).

وقد تمّ تفسير البيانات في ضوء مستويين: التفسير الواسع النطاق (الماكرو) والضيّق النطاق (الميكرو)، حيث حاولت الدراسة أنّ تفهم التغيرات المصاحبة لظهور واستمرار الأسرة الممتدة في الحضر في ضوء السياق العام للمجتمع المصري والتغيرات التي تعرض لها. وكان التحليل بادئاً دائماً بالتحليل الضيّق النطاق، حيث تعرض بيانات عن الحالات المدروسة ثم الربط بينها وبين السياق البنائي الأوسع.

ب- التحليل المقارن: إستخدمت المقارنة في تحليل عناصر الظاهرة وفقاً لمستويات التحليل السابقة (الأنماط- الطبقة- الجيل)، وذلك للتعرف على الأبعاد المختلفة في تحليل البيانات.

ج- التحليل الإيكولوجي: وذلك من حيث تحليل إيكولوجية المسكن وتأثيره على طرق معيشة الأسرة الممتدة، حيث أوضح كيفية تكيف الأفراد في مساحة المسكن، وأثر الحيّز المكاني على تكدّس الأفراد واستخدام الحجرات لأكثر من غرض، وأثر هذا التزاحم على اختفاء الخصوصية وكثرة العلاقات والتوترات.

د- تحليل الدور: من أجل فهم الدينامية الداخلية للأسرة الممتدة تم التحليل بناء على:

ـ توزيع الأدوار بين أفراد الأسرة الممتدة.

ـ تحليل الأدوار المعيارية (المثالية) والأدوار المتوقعة والأدوار الوظيفية (الفعلية).

ـ تحليل شبكة علاقات الدوار داخل الأسرة الممتدة.

ـ تحليل صراع الدور.

تحليل مضمون أقوال الإخباريين: تمّ الاستعانة بأسلوب تحليل أقوال الإخباريين كما ذكرت نصاً في تفسير كثير من البيانات المدروسة. وكذا الكشف عن الأبعاد ووجهات النظر المختلفة للأفراد. وهي تؤخذ أيضاً كدلائل وشواهد ميدانية في إيضاح المشكلات البارزة. وهذا الأسلوب يفيد في إثراء الدراسة وفي فهم التنوعات الثقافية للحالات.

ثالثاً: نتائج البحث:

تمكن البحث من التوصل إلى مجموعة من النتائج، كانت بمثابة إجابات على التساؤلات التي طرحتها الدراسة، نوجزها على النحو التالي:

1ـ انتشار الأسرة الممتدة:

تنتشر الأسرة الممتدة في المجتمع الحضري، حيث دلت على ذلك نتائج تعداد 1976، ونتائج الدراسة المسحية التي قامت بها الباحثة. فلقد أوضحت نتائج التعداد أن ثلث أنماط الأسر المعيشية على مستوى إجمالي الجمهورية يعيشون في هذا النمط، وأنَّ ما يقرب من خمس أنماط الأسر المعيشية على مستوى محافظة القاهرة يعيشون أيضاً في أسر ممتدة.

وتراوحت نسبة الانتشار بين أقسام محافظة القاهرة بين 14.4% إلى 23.2% وأنّ الفارق بين النسب العظمى والصغرى متقارب مما يدل على أن الظاهرة منتشرة بمعدل يكاد يقترب من الثبات في الأقسام المختلفة.

كما دلت الدراسة المسحية على انتشار الأسرة الممتدة في مختلف الطبقات خاصة الوسطى والدنيا، وأنَّ أكثر أشكالها إنتشاراً هو شكل الأسرة الممتدة والإقامة الأبوية. وقد يرجع ذلك إلى تفضيل إقامة الإبن على الإبنة، حيث تقع مسئولية الحصول على مسكن على عاتق الإبن. لذا يكون على الأسرة أن تيسر للإبن مكاناً يقيم فيه بعد الزواج. وأوضحت المعايشة للحالات أنّ الإبن يستمر في تحمل مسئولية والديه لذا يكون في إقامته معهما حماية لهما من أخطار المرض والشيخوخة. كما أدت مشكلة الإسكان إلى تمسك الأسرة بالمسكن المؤجر، وبالتالي يكون من حق الإبن أنّ يرث المسكن بعد وفاة والديه. وفي هذا يقول والد الزوجة في أسرة من الطبقة الوسطى الأمومية: "إبني أولى يقعد أحسن من الغريب (زوج الإبنة) وليه أسيب إبني يتلَطَّم وِيْدور على شقة والغريب يقعد ويبَرْطِع فيها".

مما سبق يتضح أن المعايير الثقافية تفضل الإقامة الأبوية عن الأمومية، رغم أنّ الواقع المعاش أوضح أنّ داخل النمط الثاني أفضل بكثير من الأول.

2ـ عوامل نشأة الأسرة الممتدة:

هناك عدة عوامل اقتصادية أدت إلى نشأة هذا النمط وكلها انعكاس للظروف التي يجتازها مجتمعنا المصري. ويتضح ذلك فيما يلي:

أ ـ العوامل الاقتصادية:

كان للعوامل الاقتصادية الدور الرئيسي في نشأة معظم حالات هذا النمط، فقد كانت نسبتها من إجمالي الحالات 80.9%، وكان هو العامل الوحيد لتكوين النمط الأمومي. وتمثل هذا العامل في ثلاث نقاط تنوعت شدّتها وأهميتها وفقاً لمتغير الطبقة كما يلي:

مشكلة الإسكان: كان لمشكلة الإسكان دوراً بارزاً في نشأة أكثر من نصف حالات البحث. وتمثلت مشكلة الإسكان فيما يلي:

ـ البحث عن المسكن الملائم: وظهر هذا العامل في الطبقة العليا فقط، وذلك لتوافر الإمكانيات التي تتيح للأزواج فرصة اختيار مسكن ملائم للإقامة فيه، ويفضل الكثير منهم التمليك عن الإيجار. وإزاء ذلك يفضلون الإقامة في منزل والد الزوجة إلى أن يتسنى لهم الحصول على المسكن المناسب.

ـ أرتفاع المقدمات والخلوات: وهي ظاهرة في مجتمعنا في الوقت الحاضر، فلا يمكن الحصول على مسكن بدون دفع مقدم/ خلو. وقد أظهر البحث هذه الصورة بشكل لافت وكان لها أثراً في تكوين الأسرة الممتدة في الطبقة الوسطى والدنيا، حيث أنها تعاني من قلة الموارد المادية التي تيسر لها الحصول على مسكن. ويكون لدى البعض حلّ هذه المشكلة بتكوين أسرة ممتدة.

تلاعب الملاك على المستأجرين الجدد: نتيجة تفاقم مشكلة الإسكان في الآونة الأخيرة ظهرت بعض الأساليب التي يتلاعب بها المالك على المستأجرين الجدد مثل عدم كتابة عقد إيجار أو كتابته ولكنه يماطل في بناء المسكن. وذلك بهدف الحصول على مقدم أو خلو أعلى أو ليؤجره لمستأجرين جدد يدفعون أكثر.. إلخ. ومن هنا تضيع على المستأجرين فرصة الحصول على مسكن نتيجة الزيادة المستمرة في المقدمات/ الخلوات والإيجارات. ويكون تكوين الأسرة الممتدة حلاً لهذه المشكلة.

تجانس المهنة (الدخل المشترك): أدى تجانس المهنة بين الأب والإبن وارتباطهما في العمل والدخل المشترك إلى إقامة حياة معيشية مشتركة. وقد ظهر هذا العامل في الطبقة الوسطى. وفي هذا يقول أحد الأزواج: "ماكنِّش فيه حلّ غير أني أقعد مع والدي.. لأني لازم أسكن جنب المحل.. لأني لو لقيت شقة حالقيها في المطرية أو عين شمس، وده بعيد عن المحل بتاعنا. وماكنتش أقدر أسيب والدي وأشتغل لوحدي. بفضل أخواتي يتعلموا في نفس الوضع اللي هما في. ولما والدي قال لي أقعد معايا وافقت على طول". وهكذا أدى تجانس المهنة إلى تكوين الأسرة الممتدة.

المساعدة في نفقات المعيشة: ظهر هذا العامل في صورتين هما:

ـ إعالة الوالدين: فقد كان لزاماً على الإبن -خاصة الأكبر- إعالة والديه بعد إنقطاع مصدر الرزق عنهما، فمسئولية الإبن تحتم عليه ذلك.

ـ الحاجة إلى العيش في كنف الآخرين: وهي خاصة بالزوج الذي لا تُمكِّنه ظروفه المادية من الإنفاق على أسرته بمفرده، لذا يلجأ إلى العيش في أسرة ممتدة.

ـ وفي هذه تقول زوجة من الإقامة الأمومية في الطبقة الدنيا: "جوزي كان بياع أبائيب وشباشب وحالته كانت شحة.. وما كناش نقدر نعيش لوحدنا فتجوزنا عند سلفتي.. ولما طلعونا من الشقة.. روحنا عند أبويا".

يوضح هذا القول أن التغيرات التي طرأت على النسق الاقتصادي كان لها أثر على الأسرة، حيث أدى انحسار بعض الحرف التقليدية إلى انخفاض الدخل أو عطالة الأفراد العاملين هبه، ومن ثم لا يجد هؤلاء حلاً لمواجهة هذه الأزمات غير اللجوء إلى تكوين أسرة ممتدة.

ومن عرض العوامل السابقة يتضح أن التغيرات التي طرأت على الأنساق الفرعية في المجتمع ساهمت بقسط وافر في نشأة هذا الشكل.

ب ـ العوامل الاجتماعية والثقافية:

لعبت العوامل الاجتماعية والثقافية دوراً كبيراً في تكوين الأسرة الممتدة الأبوية حيث بلغت نسبتها 60% من إجمالي تللك الإقامة. ومن هذه العوامل نذكر ما يلي:

رعاية الوالدين: إنّ حاجة الوالدين لمن يقوم برعايتهما والإشراف على شئونهما -عند كبر سنهما- أدى إلى أن يتزوج الإبن ويقيم معهما، حتى يقوم هو وزوجته بخدمتهما ورعايتهما والإشراف على شئونهما الصحية والمعيشية.

وفي هذا يقول والد الزوج: "معقول يتجوز ويسكن بره من غير ماحد يشوف طلباتنا". فليس من المتوقع أن يتقاعس الإبن عن أداء هذا الدور.

القيم الأسرية: تمثلت القيم الأسرية التي دفعت إلى نشأة الأسرة الممتدة في قيمتي الزواج المبكر للأبناء، وقيمتي الترابط والوحدة الأسرية.

فبالنسبة لقيمة الزواج المبكر فإنها ظهرت في الطبقة الدنيا الأبوية، حيث أكدت الدراسة المتعمقة أنّ الريفيين المقيمين في المدينة ينقلون معهم قيمهم الثقافية التي تحث على زواج الأبناء مبكراً، ما دامت بساطة هذه الطبقة تيسر عملية إتمام الزواج. كما أنّ في الزواج المبكر حصناً من الإنحراف. وفي هذا تقول والدة الزوج في أحد الأسر: "العيال لو ماكنتش تتلم وهي صغيرة تفسد...".

أمّا عن قيمة الترابط والوحدة الأسرية فقد دلت الدراسة على وجود تماسك في وحدة الأسرة، حيث يحرص الآباء على إقامة أبنائهم معهم، وكذلك في تحمل الأبناء -خاصة الأكبر- مسئولية الوالدين سواء من حيث الإعالة أو الرعاية. وهكذا يمكن القول أن عوامل نشأة الأسرة الممتدة هي انعكاس واضح للظروف والتغيرات التي يشهدها المجتمع المصري، ولم تكن نشأتها تسير في اتجاه معين: أحادي أو دائري، بل أن الظروف المحيطة بالأسرة سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية وثقافية تؤدي إلى تكوينها.

3 ـ وظائف الأسرة الممتدة:

أوضح البحث الميداني أن الأسرة الممتدة تضطلع بمجموعة من الوظائف الجوهرية، تكوّن الجانب الإيجابي الهام الذي يساعد على بقائها وإستمرارها، وإنّ كان وجود هذا الشكل ساعد على ظهور أنواع جديدة من أشكال الصراع. ويمكن إيجاز أهم هذه الوظائف فيما يلي:

أ ـ الوظائف الاقتصادية:

وهي أهم ما تضطلع به الأسرة والتي تساعد على حماية النظام وإستمراريته. وتتمثل هذه الوظائف فيما يلي:

المأوى (الإقامة): للأسرة الممتدة وظيفة أساسية، ليس فقط على المستوى الأسري، بل أيضاً على المستوى القومي، حيث أنها تعتبر -إلى حد ما- حلاً لمشكلة الإسكان، خاصة للمقدمين على الزواج في الطبقة الوسطى والدنيا فبدلاً من أن ينتظر المقدم على الزواج سنوات لحين حصوله على المسكن أو الإحجام عن الزواج فإنَّ تكوين الأسرة الممتدة يمثل حلاً لهذه المشكلة، حتى وإن كان بشكل مؤقت.

العون النقدي: تقدم الأسرة الممتدة العون النقدي، وتكفل وتؤمن الحياة للأفراد الذين يمكنهم تحقيق ذلك من خلال الاعتماد على أنفسهم أو من خلال المؤسسات الخارجية التي تتكفل بذلك (مثل المسنين والأرامل والمطلقات وحالات الهجر) وكذلك تقدم العون النقدي للأبناء المتزوجين الذين لم يستقلوا اقتصادياً نتيجة التحاقهم بالخدمة العسكرية. كما تقدم العون في الظروف القهرية مثل: مرض- عطالة- عجز- حاجة مادية. فهي بذلك تستكمل أو تقدم أشكالاً كثيرة من أشكال الرعاية الاقتصادية والاجتماعية التي تعجز الدولة عن تقديمها أو تتجاهلها.

المساعدة في نفقات المعيشة: تخص هذه الوظيفة الشكل الممتد الذي يعيش بمشاركة في الإنفاق على الطعام، حيث تعتبر هذه المشاركة أسلوباً يمكّنهم من مواجهة أعباء الحياة المعيشية نتيجة الإرتفاع المتزايد في الأسعار، وتخفيف وطأة الإنفاق.

المجاملات: أوضحت الدراسة المتعمقة أنّ وجود مجاملات في المناسبات بشكلها النقدي والعيني يكون بمثابة نوع من المساعدة في نفقات الحياة المعيشية، حيث إن المجاملات المادية تساعد في الإنفاق، والمجاملات العينية تأخذ شكل الهدايا الوظيفية.

وفي هذا تقول إحدى الزوجات في الدنيا الأمومية: "بيشوفو ناقصنا إيه.. ويجيبوه..على أد الإيد ما هي طايلة".

ب ـ الوظائف الاجتماعية والثقافية:

تمثلت هذه الوظائف فيما يلي:

الحماية والعون العاطفي: توفر الأسرة الممتدة الحماية والعون العاطفي للمسنين، حيث توفر لهم زاداً معنوياً ووجدانياً يقيهم من العزلة الاجتماعية، كما تخلق لهم جواً من المزاح بينهم وبين أفراد الأسرة خاصة الأحفاد. وهي بذلك تؤدي وظيفة ترفيهية. كما تعطي الحماية للأرامل والمطلقات وحالات الهجر في مواجهة أخطار الحياة بفضل الاعتماد على مساندة أفراد الأسرة.

التعاون والتضامن الداخلي: تخلق الأسرة الممتدة علاقة تعاون بين أفرادها تعمل على توطيد أواصر الأسرة، وكذلك تعايش أفرادها بطريقة تؤمن استمراريتها. ويظهر هذا التعاون في المناسبات المختلفة مثل زواج، ولادة، مساعدة الزوجة العاملة وفي شتى الظروف القهرية.

التنشئة الاجتماعية: إن إدماج الأجيال المتعاقبة يعمل على سرعة نقل التراث الثقافي السائد والخبرة الثقافية من الجيل الأول إلى الثاني، ومن كليهما إلى الثالث.

ومن هنا تؤدي الأسرة الممتدة وظيفة ثقافية هامة. كما دلت الدراسة على أهمية الدور الذي تلعبه الجدة، خصوصاً في فترات حمل الزوجة والولادة ورعاية الطفل. كما تجد الزوجة العاملة في الأسرة الممتدة حلاً لمشكلة حضانة الطفل، حيث تتركه مع الأجداد. وفي ذلك تقول زوجة في الطبقة الوسطى الأمومية: "لو حتى فيه داده كويسة، مش ممكن أسيب بنتي معاها واطمئن عليها زي ماما.. مش عارفة لو سكنت لوحدي كنت حاعمل إيه". كما ينقل الأجداد خبرتهم الثقافية والاجتماعية والدينية والعملية إلى أحفادهم.

الضبط الإجتماعي: أوضح البحث أنَّ الأسرة الممتدة تنظم سلوكيات أفرادها من أجل الحفاظ على استمرار تعايشهم معاً. ويتم ممارسة هذا الضبط عن طريق العرف والعادات والتقاليد الأسرية، والتي تكون في الغالب مقبولة لدى الأفراد. ويتم تحقيق هذه الوظيفة من خلال المعايشة معاً، حيث تتيح الإقامة المشتركة، مراقبة سلوكيات بعضهم البعض باستمرار. ويكون حائز القوة بمثابة المنظم للحقوق والواجبات بين الأفراد كما يفصل في النزاعات التي تنشأ بينهم.

وهكذا نجد أنّ الأسرة الممتدة ما زالت تضطلع بوظائف جوهرية. وهذا يناقض الافتراضات النظرية التي تزعم تقلص وظائف الاسرة. بل أصبح هناك استمرار للعديد من الوظائف، إلى جانب ظهور وظائف جديدة فرضتها ضغوط الحياة الاقتصادية والاجتماعية. فالأسرة أصبحت مكملة للمؤسسات الأخرى أو أنها أقدر وأكفأ في أدائها لتلك الوظائف من هذه المؤسسات.

ولكن بالرغم من أهمية ذلك ظهرت معوقات وظيفية جديدة أيضاً، حيث أصبح الفرد يشعر بذاته وخصوصيته، مما أدى إلى ظهور عديد من الصراعات التي تحتاج إلى تنظيم داخلي صارم، وهذا ما سوف نناقشه في الفقرات التالية:

4- التنظيم الداخلي للأسرة:

لما كان بناء الأسرة الممتدة يتميز بوجود ثلاثة أجيال يعيشون في شقة واحدة، أصبح من الضروري وجود تنظيم لهذه الجماعة، حتى يتعايش أفرادها معاً بطريقة تضمن استمرارية الحياة. وقد أوضح البحث الميداني وجود ثلاثة أشكال لهذا التنظيم:

أ‌- بناء القوّة:

أوضحت نتائج الدراسة المتعمّقة أنه لم تعد القوة الصارمة ولا تتركز في يد شخص واحد، بل أصبح لصاحب القوة مميزات تؤهله لأن يتخذ القرار في الشؤون الخاصة ببناء وتنظيم الأسرة، أما فيما يتعلق بشؤون الزوجين من الجيل الثاني، فهي تعتبر نسبيّاً من اختصاصهما، حيث ظهرت الفردية وبرز دورها. وفي ذلك تختلف عن الأسرة الممتدة التقليدية التي كانت القوة فيها تتركّز –من حيث الشكل- في أيدي الذكور. ولكن تبين من المعايشة أنّ القوة في الواقع في أيدي الإناث خاصة الأم من الجيل الأوّل، وهي في الغالب تستمد قوتها من الإبن. [...].

ويدعم وجود القوة في أيدي الأم من الجيل الأوّل اعتيادها على ذلك قبل زواج الأبناء. كما ترتبط القوة بالطبقة حيث ظهرت القوة القهرية على أشدها في الطبقة الدنيا، التي تعاني من ضغوط الأزمات الاقتصاديّة والتي تنعكس على العلاقات بين الأفراد. كما ظهرت القوة بوضوح في الإقامة الأبويّة أكثر من الأموميّة، حيث تفرض على زوجة الإبن بأسلوب "القوة القهرية". ومن العبارات التي تتردد على ألسنة الزوجات وتعكس الملامح والسمات المميزة لشخصية الحماة: طبعها وحش-[...]- ست متسلطة- الكلمة كلمتهاـ قوية [...].

وسبب فرض الحماة القوة الصارمة على زوجة الأبن هو إحساسها بأنها امرأة دخيلة عليها أخذت ابنها الذي ربته. وفي هذا تقول إحداهن: "الواد بعد ما ربيته وكان في عِبّي وخيره وكده على جت دي وأخدته على الجاهز...".

بينما تفرض الحماة، في الإقامة الأمومية، قوتها على زوج الإبنة بأسلوب "الملاينة والرقة". وفي هذا تقول إحداهن: "جوز البنية أغلى من عنيه.. ولأجل الورد يتسقي العليق علشان جوز بنتي أخده بالسياسة علشان يهني البنت وإلا حيتعبها".

كما أوضح البحث أنّ القوة ترتبط بالعمل، فمن يعمل سواء داخل المنزل أو خارجه يكتسب قوة يفرضها على الآخرين. كما ترتبط القوة بنمط الإنفاق السائد في الأسرة حيث أن المسئول عن الإنفاق هو صاحب القوة، لتحكمه في بنود الإنفاق.

أما بالنسبة لعلاقة القوة باتخاذ القرار فقد دلت الدراسة على أن صاحب القوة له سلطة اتخاذ القرار في بعض الشؤون المتعلقة ببنود الإنفاق (حسب نمط الإنفاق السائد)، وفي فض المنازعات، وشؤون الجبل الثالث..إلخ.

ب ـ الإنفاق:

أوضحت الدراسة أنّ الأسرة الممتدة لكي تنظم نفسها فهي تتبع سياسة معينة للإنفاق غالباً ما يحددها الجيل المضيف، ولا تمثل هذه السياسة مشكلة لدى الطبقة العليا حيث تمكنها ظروفها المادية من تقبل أعضاء جدد. أما في الطبقة الوسطى والدنيا فإن ظروفها المادية لا تسمح بذلك، لذا لا بدّ من المشاركة الفعالة أو الإستقلال في الإنفاق.

وعن أنماط الإنفاق فإنه حدث تغير في الإنفاق بصورته التقليدية، فلم تعد الأسرة الممتدة تعيش كلها كوحدة اقتصادية واحدة، بل تنوعت أنماط الإنفاق على النحو التالي:

الوحدة الإقتصادية: ظهر هذا النمط في الطبقتين الوسطى والدنيا في الأسر ذات الإقامة الأبوية. ومن أسباب وجوده عجز الأب أو الإبن المتزوج عن الإنفاق، وعادة ما تكون ميزانية الأسرة في أيدي من ينفق عليها.

المشاركة الاقتصادية: دلّت الدراسة على أن حوالي نصف عدد الحالات المدروسة تعيش في هذا النمط. وتكون المشاركة هنا في الطعام فقط. أمّا بقية بنود الإنفاق فكل أسرة نووية داخل الأسرة الممتدة مستقلة بذاتها. وكانت معظم الحالات من الطبقة الوسطى والدنيا ذات الإقامة الأمومية. وللمشاركة الاقتصادية أشكال مختلفة منها: المشاركة النقدية والمشاركة العينية، والمشاركة النقدية والعينية معاً، حيث تتم المشاركة دون معيار محدد في مقدارها.

الإنفاق المستقل: أوضح البحث وجود هذا النمط غير المألوف في الأسرة الممتدة التقليدية حيث يمكن أنَ تعيش الأسرة الممتدة في شقة واحدة، ولكن الأسر النووية بداخلها تعيش مستقلة في الإنفاق. وقد ظهر هذا النمط نتيجة حدوث صراعات حول سياسة الإنفاق التي كانت متبعة من قبل وفي هذا تقول إحدى الزوجات: "الأول كنا بناكل مع بعض وبقينا نتخانق على المصاريف، والعيال بقت تتخانق مع بعض على الطبلية.. فكده أحسن".

وللإستقلال عدة جوانب منها: الاستقلال في ميزانية المنزل، وفي تناول الطعام. وبالرغم من وجود هذا النمط من الإنفاق (المستقل) إلا أنه لا يمنع من وجود مشاركة نقدية وعينية في المناسبات المختلفة مثل: زواج، ولادة، وظروف قهرية.. إلخ.

ج ـ تقسيم العمل:

أوضحت الدراسة وجود عدة أنشطة داخل الأسرة الممتدة تختلف في حجمها عمّا يوجد في الأسرة النووية المستقلة. ولما كانت الأسرة الممتدة تنظم نفسها بنفسها، لذا فإنّ هناك تقسيماً للعمل بين أفرادها. ويوضح هذا التقسيم مدى التعاون وديناميات التفاعل بين الأفراد. وتنقسم الأنشطة التي تؤدّيها الأسرة إلى أنشطة داخل المنزل وأخرى خارجه.

وقد دلت الدراسة على مدى ارتباط تقسيم العمل بالجيل والنوع حيث يقع عبء العمل على الجيل الثاني خاصة الزوجة. وكلما زاد حجم الأسرة وضمّ أخوة من الجيل الثاني انقسم العمل بينهم وبين الزوجة. وارتبط تقسيم العمل أيضاً بالطبقة حيث أدى توافر الأدوات التكنولوجية في الطبقتين العليا والوسطى إلى تيسير عمل المرأة داخل المنزل، وذلك على خلاف الطبقة الدنيا. كما ارتبط تقسيم العمل بنمط الإنفاق السائد بتقسيم العمل بين الزوجة والأخريات في نمط الإنفاق كوحدة اقتصادية أو بمشاركة... بينما يكون هناك خصوصية في الإنفاق المستقل، ولكن لا يمنع ذلك من وجود تعاون في أداء الأنشطة.

وارتبط تقسيم العمل بالإقامة، حيث تتحمل الأم مشقة العمل بدلاً من ابنها في الإقامة الأمومية. بينما يقع عبء العمل على الزوجة في الإقامة الأبوية حيث تقول والدة الزوج في إحدى الأسر: "أمال أنا مجوزاه ليه (أي الأبن) مش علشن مراته تخدمني...".

بينما تقول الأم في أحد الأسر الأمومية: "ما برضاش أتقل عليها في الشغل.. برضه لسه صغيرة".

ونخلص مما قدمناه عن التنظيم الداخلي أنّ الأسرة الممتدة بناء مرن يتميز بوجود تنظيم داخلي مختلف -إلى حدّ كبير- عما هو شائع في الأسرة الممتدة التقليدية. ولا يتخذ هذا التنظيم شكل الثبات، لأنه كثيراً ما تظهر صراعات بين أفراد الأسرة حول أسلوب هذا التنظيم، ومن ثمّ تظهر محاولات لتغيير المضمون من أجل المحافظة على شكل البناء وعلى استمراريته.

5 ـ علاقات الأسرة الممتدة:

يسود الأسرة الممتدة مجموعة من العلاقات حيث يرتبط كل فرد بعلاقات اجتماعية مع الآخرين في الأسرة. وكلما كبر حجم الأسرة زادت كثافة العلاقات داخلها. وقد أوضحت الدراسة الميدانية أنّ كثافة العلاقات تزيد كلما انحدرنا طبقياً إلى أسفل من الطبقة العليا إلى الوسطى ثم إلى الدنيا، فكان متوسط كثافة العلاقات في العليا (21 علاقة متبادلة) وفي الوسطى (38 علاقة متبادلة) وأخيراً في الدنيا (72 علاقة متبادلة). كما تزيد العلاقات في الأسر ذات الإقامة الأبوية عن الإقامة الأمومية. وتلعب المرأة دوراً هاماً في تحقيق انسجام أو شقاء العلاقات، وتمثل الزوجة من الجيل الثاني محور أو بؤرة العلاقات في الأسرة الممتدة.

ويمكن من خلال الدور الذي تلعبه الزوجة في الأسرة تحقيق انسجام العلاقات بينها وبين أفراد الأسرة، فإذا تغاضت أو تنازلت عن أداء بعض أدوارها، يمكن بذلك أن تخلق جواً من الألفة والانسجام في العلاقات، سواء في إقامة أبوية أو أمومية. فرجاحة عقلها وحسن تصريفها للأمور يؤدي إلى توازن العلاقات وكذا تخفيف وطأة الصراع. وفي هذا تقول أحد الزوجات في الإقامة الأبوية في الطبقة الوسطى: "بطنش كثير وأفوت كثير.. وأنا لو دقيت عليهم حتعب". وتقول زوجة في الإقامة الأمومية في الطبقة الوسطى: "مهما كان لا حيهون عليه جوزي ولا أهلي".

وعن مضمون العلاقات داخل الأسرة الممتدة، فقد دلت الدراسة على أنّ وجود عدد من الأفراد داخل حيز مكاني محدود يؤدي إلى أشكال من العلاقات قد أمكن الكشف عنها من خلال علاقات الاحترام والمشورة والمزاح والتجنب والعلاقة مع الأسرة الموجهة، وأخيراً علاقة الصراع. وهذا ما سوف نتناوله بإيجاز فيما يلي:

أ ـ علاقة الاحترام:

يسود بين أفراد الأسرة الممتدة علاقة احترام متبادلة خاصة من جانب الجيل الأصغر تجاه الجيل الأكبر. ويتحتم على أفراد الأسرة الممتدة بموجب هذه العلاقة استخدام بعض الاصطلاحات التي تساعد على خلق جو من العلاقات الطبيعية. وتختلف هذه الاصطلاحات تبعاً للمعايير الثقافية السائدة في الأسرة وكذلك تبعاً للمستوى الطبقي والمواطن الأصلي الذي تنتمي إليه. فضلاً عن الصلة الدموية بين الأفراد. فمثلاً يقال للحما "بابا"، "يا عمّي"، "يا عمّ فلان"، وللحماة "ماما"، " طنط"، أو " أمّه"، أو " يا نينة".

ب ـ علاقة المشورة:

دلت الدراسة على وجود علاقة مشورة، ولكنها ليست لازمة على كل أفراد الأسرة. وهذا يختلف عمّا هو شائع في الاسرة الممتدة التقليدية. وقد ارتبطت المشورة بعدة متغيرات منها القرابة المباشرة وغير المباشرة، وكذا نمط الإنفاق السائد في الأسرة. أمّا بالنسبة لموضوعات المشورة، فقد حدث انحسار في أغلبها، فلم تعدّ المشورة متعلقة بكل ما هو خاص بالفرد، بل أصبحت تتركز في الأمور العامة المتعلقة بالأسرة كنظام واحد متكامل.

ج ـ علاقة المزاح:

تخلق الأسرة الممتدة جواً من المزاح بين أفرادها، ومن هنا تأتي وظيفتها الترفيهية، حيث يقضي أفراد الأسرة أوقات فراغهم معاً سواء أثناء مشاهدتهم التلفزيون أو في أوقات سمرهم. كما أظهرت الدراسة أنّ المزاح في الأسرة مزاح جماعي أكثر منه فردي. ويظهر المزاح في الطبقة الدنيا أكثر من العليا والوسطى، وفي ذات الإقامة الأمومية أكثر من الأبوية. كما أوضحت الدراسة أهمية هذه العلاقة بالنسبة للجيل الأول أي الأجداد، حيث يؤنس الأحفاد وحدتهم ويشعروهم بالسعادة والرغبة في الحياة. وفي هذا تقول إحدى الجدات في الطبقة الدنيا الأبوية: "بهشكهم وأزغزغهم..هوّ فيه أغلى منهم ده أعز الولد ولد الولد".

د ـ علاقة التجنب أو التحاشي:

أوضحت الدراسة أنّه بالرغم من وجود علاقة مزاح، إلاّ أنها لا تمنع من وجود علاقة تجنب وتحاشي بين بعض أفراد الأسرة الممتدة المختلفين في الجيل والنوع والسن. وتعمل هذه العلاقة على تقييد حركة الأفراد داخل الوحدة السكنية. وقد أسفرت أيضاً عن وجود مشكلات مثل مشكلة التعامل بين طبقات المحارم ومشكلة ممارسة العلاقة الحميمة بين الزوجين.

هـ- العلاقة مع الأسرة الموجّهة:

أوضحت الدراسة وجود عدّة مؤشرات تدل على الامتداد القرابى بين الزوجين والأسر الوجهة للزوجة (في الأسر ذات الإقامة الأبوية) والأسرة الموجهة للزوج (في الأسر ذات الإقامة الأمومية)، وهذه المؤشرات هي: التزاور، المشورة، المساعدات، المجاملات. وقد ارتبطت تللك المؤشرات بقرب أو بعد مكان الأسر الموجهة وكذلك من حيث اختلاف الطبقة ونمط الإقامة. وفي هذا تقول الزوجة في أسرة أبوية في الطبقة الدنيا: "مش بترضى (أي الحماة) تخليني أسافر لهم (أي أسرتها الموجهة) وأمي ست كبيرة ونفسي أشوفها وبتحجج بالفلوس [...].

فالحماة تفرض قوتها على الزوجة وتمنعها من زيارة أسرتها حتى تقوم الزوجة بالأنشطة داخل المنزل. كما أنّ مصاريف السفر تمثل مشكلة -حقيقية أو مزعومة- بالنسبة لهذه الطبقة.

و ـ علاقة الصراع:

أوضحت الدراسة وجود علاقة صراع بين أفراد الأسرة الممتدة تدور حول ما يلي:

الإنفاق: يحدث صراع حول الإنفاق في الأسرة التي تعيش كوحدة اقتصادية واحدة أو بمشاركة خاصة في الطبقة الدنيا الأبوية [...].

تقسيم العمل: وهو من أكثر الموضوعات التي يدور حولها الصراع بين الإناث البالغات. ويتخذ هذا النوع من الخلافات صفة الإستمرارية. ويدور الصراع حول عدم التساوي في توزيع الأنشطة، تأدية أكثر من نشاط في وقت واحد، إنكار الحماة عمل الزوجة، تعمد عدم النظافة. وتقول إحدى الزوجات من الطبقة الدنيا الأبوية: "مهما أعمل ما يطمرش فيها (أي الحماة).. تنكر وتقولي هو أنت تعملي حاجة".

السلوك كموضوع للصراع: يظهر الصراع بسبب بعض السلوكيات مثل الغيرة، الإتهام بالسرقة، والخوف من السحر والأعمال الشريرة [...].

الأحفاد كموضوع للصراع: تحدث خلافات وتوترات حول الجيل الثالث مثل مشاجرات الأطفال معاً (من أمهات مختلفات)، وحول تدخل الجيل الأول في شؤون الجيل الثالث. ويرجع سبب ذلك إلى شعور الجيل الأول بالإلتزام تجاه الجيل الثالث خاصة أبناء الإبن. وفي هذا يقول أحد الأجداد: "إبن إبني غير إبن بنتي.. إبن إبني أنا اللي متكفل بيه لأنه من صلبي. لكن إبن بنتي حايا الله من صلب عيلة أبوه.. فده أقرب ليه من الثاني لأنّ أمه معون وبس.. لكن ده هو اللي شايل الإسم.. إسمي جنب إسم أبوه.. بس بعاملهم زي بعض، وإبن بنتي حنيّن عليه بحنية أمه".

ويرجع وجود علاقة الصراع إلى عدة عوامل منها تأثير إيكولوجية المكان الذي يعيش فيه أفراد الأسرة، حيث أنهم يتزاحمون ويتفاعلون في مساحة محدودة، كما تختفي الخصوصية حيث كل فرد تحت بصر الآخرين، وبالتالي تكون سلوكياتهم مشاعاً بينهم. ومن هنا ينتقد البعض ويباح التدخل، ويحق للبعض فرض سيطرتهم على الآخرين، ويعتبر من أهم عوامل الصراع وجود القوة القهرية والإقامة المشتركة وصراع الأدوار.

وأوضحت الدراسة وجود عدّة أسس أو متغيرات مرتبطة بالصراع أهمها: وجود فجوة بين الأجيال، حيث أنّ لكل جيل وجهة نظر مختلفة متعارضة مع الآخر، مما يؤدي إلى حدوث صراع خاصة بين الجيل الأول والثاني وبين كليهما والجيل الثالث. لذا يعاني الأخير من ضغوط الجيل الأول والثاني عليه.

كما يحدث الصراع بصورة واضحة بين من هم من نفس النوع، خاصة الإناث، وبين المتقاربين في السن. كما يظهر الصراع على أشدّه في الطبقة الدنيا التي تعاني من ضغوط الأزمات الاقتصادية والتي تجعلها تعيش في صراع دائم. ويظهر الصراع بصورة واضحة في الإقامة الأبوية أكثر من الأمومية، حيث أنّ الحماة في النمط الأول هي مصدر الصراع. وإرتبط الصراع بحجم الأسرة، فكلما زاد حجمها زادت العلاقات وتفاعلاتها وبالتالي زادت التوترات.

وقد أوضحت الدراسة المتعمقة أنّ الصراع يصاحبه عدة مظاهر سلوكية تتمثل في التجنب أو التحاشي، هجر الفراش، هجر منزل الزوجية (منزل الأسرة الممتدة)، الإستقلال في الإنفاق، الضرب والسب، الغيبة، التجسس، التنابذ بالألقاب والسخرية، وأخيراً المعايرة [...].

ولما كانت هناك حتمية لمعيشة أفراد الأسرة معاً، فإنّ هناك أساليب لحل النزاع منها: إذا كان بسيطاً فإنه يزول في لحظة وقوعه، كما يكون الجيل الثالث همزة الوصل للصلح بين الأطراف المتخاصمة حتى لو كان هو سبب النزاع. وقد يحدث عتاب بين المتخاصمين.

إذا كان النزاع شديداً تعقد جلسة عائلية يرأسها حائز القوة لمناقشة النزاع، وقد يتدخل أحد الأقارب (كبير العائلة) في حلّ النزاع إذا لجأ إليه أحد المتخاصمين ليتدخل في الصلح.

أمّا عن خلافات الجيل الثالث والآخرين فإنها تُحلّ بسهولة نتيجة فرض القوة والضغط عليهم أو استجابة الجيل الثالث لهم. ويعتبر العقاب أحد وسائل الضغط وأسلوباً من أساليب الجزاء.

وقد أوضحت الدراسة أنّ السلوك بعد حلَّ النزاع يتسم بالعدول عما سبق لفترة قد تطول أو تقصر وفقاً لطبيعة الخلاف وطبيعة الأسرة، والطبقة التي تنتمي إليها. وبالرغم من وجود أساليب لحلّ النزاع، إلاّ أنّ الصراع يظل عملية مستمرة، وغالباً لا يتصاعد إلى الحدّ الذي لا يستحيل فيه استمرارية الأسرة الممتدة لأنّ هناك حتمية الإقامة المشتركة والإنفاق. وبوجه عام يتم حلَّ الصراع من خلال أنماط التكيف والتوافق والتوازن داخل البناء الأسري. فلا يكون للصراع تأثيراً على الشكل العام للأسرة، حيث أنه سبيل نحو التطور والتغير الذي يهدف إلى استمرار الأسرة الممتدة، لأنّ قدرتها على الاستمرار تكمن في كونها تتأثر بالتغيرات التي تطرأ عليها، وفي كونها قادرة على التكيف مع هذه التغيرات، وبالتالي تغير وتطور نفسها سواء في الشكل أو المضمون، فحدوث الصراع داخلها يجعل من الضروري خلق تنظيمات جديدة وعلاقات جديدة، حتى يحدث توازن وتكيف داخل البناء الأسري من أجل استمراريته.









خاتمة:

ومما سبق عرضه من نتائج الدراسة يتضح أنّ بناء الأسرة الممتدة الحضرية بناء متميز عن بناء الأسرة الممتدة التقليدية، سواء من حيث عوامل النشأة والوظائف والتنظيم الداخلي والدينامية الداخلية، كما أنه يعكس ظروف المجتمع الذي تعيش فيه. وتحدد تللك الظروف -إلى جانب الظروف الداخلية للأسرة- استمرارية الأسرة الممتدة أو تبدلها من نمط إلى أخر.

وحول نظرة مستقبلية للأسرة الممتدة يمكن القول أنّ التطور في شكلها لا يسير في اتجاه خطي أو دائري، وإنّما يتخذ خطوطاً عديدة، حيث أوضح البحث الميداني أنّ هناك أسراً مرت بمرحلتين من نووي إلى ممتد، وأخرى مرت بثلاث مراحل من ممتد إلى نووي ثمّ ممتد مرة ثانية، وأخرى بأربع مراحل من ممتد إلى نووي ثم إلى ممتد مرة أخرى، ثمّ إلى نووي مرة ثانية...

وهذا يدفع إلى القول بأنّ الأسرة الممتدة تحمل في أركانها عوامل الاستمرار والحفاظ على كيانها ووظائفها وأدوارها. كما أنّ الصراع يمثل بالنسبة لها سمة أساسية، ومهمتها تحقيق قدر من الإشباع لأفرادها. وفي هذا السياق فإنها كنسق يتخذ من التباينات القائمة بين أفراده عوامل استمراريته. فالأسرة الممتدة بناء مرن يكيّف نفسه مع التغيرات التي تطرأ على المجتمع وعلى الأسرة، ويستطيع أنّ يطور ويعدل من نفسه سواء في الشكل أو المضمون أو كليهما. وهذا يدفعنا إلى أنّ نتساءل: إذا كان الأمر كذلك ألا تحتاج النظرية التطورية والنظرية البنائية الوظيفية في الأسرة إلى مراجعة [...].

وقد أجابت دراستنا على ذلك، ولكن في اعتقادنا أنّ مزيداً من الدراسات حول الموضوع أو الموضوعات الوثيقة الصلة به سوف تقدم إجابة حاسمة وقاطعة.





الهوامش:

*حيث إنّ مجموع الدرجات ينحصر ما بين 8 إلى 24 (أي إلى 17 درجة) فإنّه من الاستحالة تقسيمها إلى ثلاث فئات متساوية، لذا تم التقسيم كما يلي: 6 درجات للطبقة الدنيا، 6 درجات للطبقة الوسطى، و5 درجات للطبقة العليا.



الاسرة الممتدة فى الريف ساعدنى فى التعديل

موقع بوابة الثانوية العامة متخصص فى التعليم المصرى و كافة المراحل التعليمية الإبتدائية , الإعدادية و الثانوية كذلك الجامعات المصرية و نتائج الامتحانات للشهادات بمحافظات مصر

موقع وظائف جوجل وظائف جوجل,

0 التعليقات

إرسال تعليق