| 0 التعليقات ]

تأملات في قوله تعالى: {وفوق كل ذي علم عليم}

تأملات في



قوله تعالى: ﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ



وقوله تعالى: ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً





يَكثر الحديثُ عن فضل العلم وأهله، وفي هذه السطور سوف أتناول آيتين كريمتين من كتاب ربِّنا تبارك وتعالى، تدلانا على ما ينبغي أن يتحلى به العلماء وطلاَّب العلم مِن خُلق التواضع لله عز وجل، فأقول وبالله التوفيق:

الآية الأولى: قوله تعالى: ﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾ [يوسف: 76].



عن ابن عباس رضي الله عنهما: ﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾، قال: "يكون هذا أعلم مِن هذا، وهذا أعلم من هذا، والله فوقَ كلِّ عالم"[1].



وعن الحسن البصري رحمه الله في قوله: ﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾، قال: ليس عالمٌ إلا فوقه عالم، حتى ينتهي العلم إلى الله[2].



وعن بشير الهجيمي قال: سمعت الحسَن قرأ هذه الآية يومًا: ﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾، ثم وقف فقال: "إنه والله ما أمسى على ظَهر الأرض عالمٌ إلا فوقَه مَن هو أعلمُ منه، حتى يعود العلم إلى الذي عَلَّمه"[3].



وقال ابن الجوزي رحمه الله: "قوله: ﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾؛ أي: فوق كل ذي علمٍ رفَعه الله بالعلم مَن هو أعلم منه، حتى ينتهي العلم إِلى الله تعالى، والكمال في العلم معدومٌ مِن غيره"[4].



وقال السعدي رحمه الله: "فكلُّ عالم فوقه مَن هو أعلم منه حتى يَنتهي العلم إلى عالم الغيب والشهادة"[5].



وأذكر هذا المثالَ على عدم الإصرار على الخطأ والرجوع إلى الحقِّ عند ظهوره وبيانه، وما هذا إلا لمعرفةِ أنَّ فوق كلِّ ذي علم عليمًا.



فعن محمد بن كعب قال: سأل رجلٌ عليًّا عن مسألة، فقال فيها، فقال الرجل: ليس هكذا، ولكن كذا وكذا، قال عليٌّ: أصبتَ وأخطأتُ، ﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾[6].



ويحضرني ما سطره بعض العلماء بعد ذِكرهم ما وصَل إليه علمهم، فيما يَعرِض لهم من مسائل، فهذا الحافظ ابن عبدالبر رحمه الله يقول بعد شرحِه لحديثٍ: "فهذا الذي حضَرني على ما فهمتُه من الأصول ووعيتُه، وقد أدَّيتُ اجتهادي في تأويل حديثِ هذا الباب كلِّه ولم آلُ، وما أبرِّئ نفسي، وفوقَ كل ذي علم عليم، وبالله التوفيق"[7].



وقال الفقيه تقيُّ الدين عليُّ بن عبدالكافي السبكي الشافعي رحمه الله: "هذا ما ظهَر لي في هذا الوقف، وفوق كل ذي علم عليم، والله أعلم، كتبه عليٌّ السبكي الشافعي"[8].



وقال الفقيه الشافعي ابن حجر الهيتمي رحمه الله: "وهذا ما تيسَّر لنا من الجواب، والله الموفق للصواب، وفوق كل ذي علم عليم"[9].



وقال ابن عابدين الحنفي رحمه الله: "ولم نر مَن ذكَره، ومن عثَر عليه في كلامهم فليُفِده لنا وله الأجر الجزيل. هذا غاية ما وصَل إليه فَهمُ هذا الحقير الذليل، وفوق كلِّ ذي علم عليم، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب"[10].



وقال أيضًا: "هذا ما ظهر لِفَهمي السقيم، وفوق كل ذي علم عليم"[11].



وهذا الشيخ محمود شاكر رحمه الله في تحقيق "تفسير الطبري"، وهو يبين كيف بذَل ما لديه من جهد وعلم في ضبط كلمةٍ أو قراءتها من المخطوطة، أو بعد ما كتب ما أدَّاه إليه علمُه في بحثِ مسألة من المسائل، فيختم ذلك بقوله: "وبعدَ هذا كله أجدُني عاجزًا كل العجز عن معرفة أصلِ هذه الكلمة، وعن وجهٍ يُرتضى في تصحيفها أو تحريفها أو قراءتها، وقد استقصيتُ أمرَها ما استطعت، ولكني لم أنَل إلا النَّصَب في البحث، فعَسى أن أجد عند غيري مِن عِلمها ما حرَمني الله علمَه، وفوق كل ذي علم عليم"[12].



وقال أيضًا: "ولولا أني لا أجدُ في يدي البرهانَ القاطع، لقلت: إن الذي في المخطوطة هو الصواب؛ وذلك أني أذكُر أني قرأتُ مثلَ هذا التعبير في غير هذا الموضع، وجهدت أن أجده، فلم أظفر بطائل، فإذا وجدته في مكان آخر أثبتُّه إن شاء الله، وكان حجةً في المعنى الذي فسرتُه، وفوق كل ذي علم عليم"[13].



وقال أيضًا: "هذا ما رأيته، وفوق كل ذي علم عليم"[14].



وقال أيضًا: "ومهما يكن من شيء، فهذا مما لم أتبينه ولا عرفته، وفوق كل ذي علم عليم"[15].



وهذا أيضًا العلامة الألباني رحمه الله يقول: "هذا ما وصَل إليه عِلمي، وفوق كل ذي علم عليم، فمن كان عنده شيءٌ نستفيده منه قدَّمه إلينا إن شاء الله، وجزاه الله خيرًا"[16].



وقال أيضًا: "فالحديث ضعيفٌ سندًا ومتنًا؛ هذا ما ظهر لي، وفوق كل ذي علم عليم"[17].



فإذا عُلم ذلك، أدرَك الإنسانُ مبلغَه من العلم، وعلم قدرَ نفسه؛ لئلاَّ يغتر بانتهاء الأمر إلى ما بلَغه هو.



هكذا تكون أخلاق أهل العلم والإنصاف.



أما نظرة أهل الهوى والتعالُمِ لناصحيهم، فهي كما تمثَّل بعضُهم قولَ الشاعر:

لَو كلُّ كلبٍ عَوى ألقَمتَه حجَرًا

لأصبَح الصَّخرُ مِثقالٌ بِدينارِ!





الآية الثانية: قوله تعالى: ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً ﴾ [الإسراء: 85].



قال العلامة الشنقيطي رحمه الله: "ذكَر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه ما أعطى خَلقه من العلم إلا قليلاً بالنسبة إلى علمه جل وعلا؛ لأن ما أُعطيَه الخلق من العلم بالنسبة إلى عِلم الخالق قليل جدًّا.



ومن الآيات التي فيها الإشارةُ إلى ذلك قولُه تعالى: ﴿ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ﴾ [الكهف: 109]، وقولُه: ﴿ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [لقمان: 27]"[18].



ولذا قال ابن الجوزي رحمه الله: "فإن قيل: كيف الجمعُ بين هذه الآية، وبين قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [البقرة: 269]؟

فالجواب: أن ما أوتيَه الناسُ من العلم وإِن كان كثيرًا، فهو بالإِضافة إِلى عِلم الله قليل"[19].



وهذا الإمام الألباني رحمه الله لا يَستنكِف أن يبيِّن أنه قد يُغيِّر أحكامَه على بعض الأحاديث، ومن ذلك كتابه "صحيح الترغيب والترهيب"؛ لوقوفِه على زيادةِ علم لم يقِف عليها من قبل، فقال: "اقتضى الشعورُ بضعف الإنسان، وبحقيقة قوله تعالى: ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً ﴾، ووجوب التبصُّر في الدين، ونَبذِ التقليد ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، ولا سيما بعد أن يسَّر الله ذلك بتيسيره لبعض الناس نَشْرَ كثير من الكتب والمصادر التي لم تكن قد طُبعت من قبل، ومن ذلك "المعجم الكبير" للطبراني وغيره؛ ولذلك فقد رأيتُ أنَّ من الواجب عليَّ أن أعيد النظرَ فيما كنتُ قررتُ مِن الأحكام قديمًا، وبخاصة ما كنتُ فيه ناقلاً عن غيري، أو تابعًا له"[20].



فإذا علمتَ ذلك، فلا تغتر بما حصَّلتَه من العلم؛ فإن وقفتَ على علمِ مسائلَ فقد غابت عنك علومٌ أكثر، والله أعلم.



وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.



[1] أخرجه الطبري في "تفسيره" (16/ 192).



[2] أخرجه الطبري في "تفسيره" (16/ 193).



[3] أخرجه الطبري في "تفسيره" (16/ 193).



[4] زاد المسير (2/ 459).



[5] تيسير الكريم الرحمن (ص/ 403).



[6] أخرجه الطبري في "تفسيره" (16/ 192).



[7] التمهيد (18/ 47).



[8] فتاوى السبكي (1/ 470).



[9] الفتاوى الفقهية الكبرى (1/ 244).



[10] أجوبة محققة عن أسئلة مفرقة (2/ 175).



[11] العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية (1/ 168)، (2/ 7).



[12] تفسير الطبري (6/ 296).



[13] تفسير الطبري (10/ 339).



[14] تفسير الطبري (10/ 452).



[15] تفسير الطبري (15/ 21).



[16] "الضعيفة" (3/ 682).



[17] "الضعيفة" (11/ 730).



[18] أضواء البيان (3/ 183).



[19] زاد المسير (3/ 51).



[20] الضعيفة (14/ 498).















تأملات في قوله تعالى: {وفوق كل ذي علم عليم}

موقع بوابة الثانوية العامة متخصص فى التعليم المصرى و كافة المراحل التعليمية الإبتدائية , الإعدادية و الثانوية كذلك الجامعات المصرية و نتائج الامتحانات للشهادات بمحافظات مصر

موقع وظائف جوجل وظائف جوجل,

0 التعليقات

إرسال تعليق